على خلفية الغارات التي نفذتها قوات «برخان»
القوات الفرنسية متهمة بالتسبب في سقوط ضحايا مدنيين في مالي
«هيومن رايتس ووتش» تنتقد «انحرافات» القوات الفرنسية في الساحل
أثارت الغارات الأخيرة التي نفذتها القوات الفرنسية المتواجدة في مالي، والتي خلّفت وفيات في صفوف المدنيين جدلا وسخطا وسط السكان والجمعيات التي حمّلت فرنسا مسؤولية هذه الانتهاكات والانحرافات التي عادة ما يدفع ثمنها السكان المدنيون الماليون، في الوقت الذي اضطرت فيه فرنسا إلى إعادة نشر قواتها في المنطقة بسب الحوادث التي عرفتها مالي مؤخرا.
لا زالت القوات الفرنسية المتواجدة في مالي، والمنضوية تحت لواء ما يعرف بعملية «برخان»، تثير جدلا واسعا وسخطا وسط سكان مالي، على خلفية تسجيل ضحايا مدنيين خلال عملياتها العسكرية، ولعل أحدث هذه الحوادث الغارة الجوية التي نفذتها القوات الفرنسية يوم الأحد الماضي على قرية «باونتي» بمدينة «دوينتزا»، متسببة في مقتل ما لا يقل عن 20 مدنيا، خلال حفل زفاف، حسب مصادر مالية. حيث اعتبرت مديرة قسم غرب إفريقيا في «هيومن رايتس ووتش»، كورين دوفكا، في تصريحات سابقة بهذا الخصوص لصحيفة «تيليغراف»، أن «مزاعم الانتهاكات التي تقترفها جيوش الساحل، تتزايد بشكل خطير. فغالبا ما تتبع الهجمات الإرهابية الفتاكة، وبشكل متزايد، بهجمات انتقامية»، مشيرة إلى أن «الجنود -لحزنهم على زملائهم-ينتقمون لمقتلهم بقتل مدنيين عزل أو مشتبه بهم». وأوضحت مديرة قسم غرب إفريقيا في «هيومن رايتس ووتش»، كورين دوفكا، أن «ندرة التحقيقات في الحوادث المتصاعدة وغياب المساعي العامة القوية من قبل الشركاء الدوليين، اعتبرت بمثابة ضوء أخضر من قبل الجيوش المعنية، التي يبدو أن قادتها لا يخشون التعرض للمساءلة».
وفي هذا الصدد، أكدت جمعية «تابتال بولاكو الفولاني» المالية، أن الغارة التي استهدفت حفل زفاف، تسببت في مقتل 20 مدنيا وإصابة ثلاثة آخرين بجروح خطيرة، فيما لا يزال سبعة آخرون في عداد المفقودين، غير أن الجيش الفرنسي الذي أعلن عن تنفيذ هذه الغارة، أكد استهداف وتحييد مسلحين تم رصدهم بعد عملية استخباراتية استمرت لعدة أيام، مؤكدا أن «المعلومات المتعلقة بالزفاف لا تتطابق مع الملاحظات المقدمة».
وجاءت هذه الغارة غداة مقتل جنديين فرنسيين وإصابة ثالث السبت الماضي، خلال هجوم مسلح في منطقة «ميناكا» الواقعة في شمال شرق مالي، بعد أقل من أسبوع عن هجوم مسلح آخر أودى بحياة ثلاثة جنود فرنسيين. ومع كل هجوم إرهابي جديد وما تتكبده القوات الفرنسية من خسائر بشرية، تجد السلطات الفرنسية نفسها في حالة حرجة، فهي غير قادرة على سحب قواتها المتواجدة في منطقة الساحل، كون ذلك «سيعد اندحارا لها»، وفقا للخبراء.
وعلى إثر الهجمات الإرهابية الأخيرة، وكاعتراف ضمني بإخفاق قواتها في مالي، أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بالري، أن بلادها «سوف تضطر، على الأرجح، إلى تعديل انتشار قواتها، إذ إن التعزيزات التي أرسلت العام الماضي، وقوامها 600 رجل، بحكم تعريفها، كانت إجراء مؤقتا».
وتنشر باريس حاليا في إطار عملية «برخان» التي انطلقت صيف عام 2014، استكمالا لعملية «سرفال»، قرابة 5100 عسكري، معززين بقوة جوية ودعم لوجيستي.
وتواجه فرنسا تحديدا، استياء شعبيا كبيرا في مالي، حيث يطالب الأهالي برحيل القوات الفرنسية المنضوية تحت قوة «برخان»، معتبرين وجودها «غير فعال» و»غير مجد» في ظل عجزها عن منع تكرر الهجمات الإرهابية في المنطقة، ويؤكدون أن وجود قواتها على أراضيهم «زاد الوضع تعقيدا وتأزما ومدد من الأنشطة الإرهابية».
ويؤكد أعضاء حركة «فرنسا ارحلي» المالية التي يترأسها آداما بن ديارا -المناهضة للتواجد الفرنسي في مالي وتدخلاتها السافرة في شؤونه السياسية- أن «فرنسا، على مدى سنوات، لم تتوقف عن غزو واحتلال أراضي مالي، منتهكة المبادئ الأساسية التي تحدد العلاقات بين الدول»، وتطالب الحركة بـ «مغادرة القوات الفرنسية البلاد».
بالمقابل، تدرك فرنسا -الدولة الغربية الوحيدة التي لها وجود عسكري كبير في الساحل- مدى توتر علاقتها بمستعمراتها الإفريقية السابقة لاسيما في الفترة الأخيرة، والمشاعر المعادية لوجود قواتها هناك.
م ن