ستورا اكتفى بخطوات رمزية منها الكشف عن مقابر وإرجاع مدفع بابا مرزوق والاعتراف باغتيال علي بومنجل
فرنسا الاستعمارية ترفض الاعتراف بجرائمها في الجزائر
تقرير بنجامين «ينصف» الحركى بانحيازه إليهم على حساب الذاكرة الوطنية
خيّب تقرير بنجامين ستورا حول الذاكرة آمال الجزائريين الذين منوا النفس باقتناص اعتراف رسمي من فرنسا الاستعمارية بجرائمها في الجزائر، حيث أشار بيان الإيليزيه صراحة إلى ذلك، واكتفى تقرير ستورا بالحديث عن بعض الشكليات مثل إرجاع مدفع بابا مرزوق العثماني، والاعتراف باغتيال علي بومنجل، والكشف عن مصير بعض المختفين خلال حرب الجزائر، في حين سارع ستورا إلى إدراج مطلب للجزائر بإنصاف الحركى والمطالبة بتمكينهم من حقوقهم في الجزائر رغم خيانتهم العظمى للوطن.
تراجع الرئيس الفرنسي عن تصريحاته بالاعتراف بجرائم الحقبة الاستعمارية في الجزائر، حيث استبعد الإليزيه تقديم «اعتذارات» عن حرب الجزائر، بل ستكتفي بالقيام بـ»خطوات رمزية» لمعالجة ملف تاريخي شائك بين البلدين لإخراج العلاقة بين البلدين من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة، وأضاف بيان الإيليزيه أن الرئيس ماكرون سيشارك في ثلاثة احتفالات تذكارية في إطار الذكرى الستين لنهاية ما سمته حرب الجزائر في 1962، على غرار اليوم الوطني لـ»الحركى» في 25 سبتمبر، وذكرى قمع تظاهرة الجزائريين في باريس في 17 أكتوبر 1961، وتوقيع اتفاقيات إيفيان في 19 مارس 1962. وقالت الرئاسة الفرنسية إن رئيس الدولة سيتحدث في الوقت المناسب بشأن توصيات هذا التقرير واللجنة التي ستكون مسؤولة عن دراستها، وأكدت أن الرئيس ستكون له أقوال وأفعال في الأشهر المقبلة، مضيفة أن فترة المشاورات بدأت، مشيرة إلى أن الأمر يتعلق بالنظر إلى التاريخ وجهاً لوجه بطريقة هادئة وسلمية من أجل بناء ذاكرة اندماج، مبرزة أن الندم وتقديم اعتذارات غير وارد مستندة إلى رأي أدلى به ستورا الذي ذكر أمثلة اعتذارات قدمتها اليابان إلى كوريا الجنوبية والصين عن الحرب العالمية الثانية ولم تسمح بمصالحة هذه الدول، مشددا على أن إيمانويل ماكرون ليس نادما على تصريحاته في 2017 التي ندد فيها بالاستعمار باعتباره جريمة ضد الإنسانية. في سياق متصل، حمل التقرير 22 مقترحا في سياق حلحلة القضايا العالقة، على غرار تشكيل لجنة الذاكرة والحقيقة التي تضطلع بتعزيز مبادرات الذاكرة المشتركة بين فرنسا والجزائر، كما دعا ستورا إلى تواصل الاحتفالات التذكارية، مثل يوم 19 مارس 1962، الذي طلبته عدة جمعيات للمحاربين القدامى حول اتفاقات إيفيان، وهي الخطوة الأولى نحو نهاية الحرب، حيث يمكن تنظيم مبادرات تذكارية مهمة أخرى حول مشاركة الأوروبيين من الجزائر في الحرب العالمية الثانية، مقترحا إقرار يوم 25 سبتمبر كيوم تكريم للحركى وغيرهم من أعضاء التشكيلات المساعدة في الحرب، و17 أكتوبر 1961 بشأن قمع العمال الجزائريين في فرنسا، كما يمكن دعوة ممثلي مجموعات الذاكرة المعنية بهذه القصة إلى كل هذه الاحتفالات، وكذا تنظيم عملية جمع أقوال الشهود الذين تضرروا بشدة من هذه الحرب لإثبات مزيد من الحقائق وتحقيق مصالحة الذكريات، واقترح ستورا أيضا صنع تمثال للأمير عبد القادر ووضع النصب التذكاري بمناسبة الذكرى الستين للاستقلال في عام 2022، وكذا اعتراف فرنسا باغتيال المحامي علي بومنجل، صديق رينيه كابيتانت والزعيم السياسي للقومية الجزائرية، الذي قُتل خلال معركة الجزائر في عام 1957، وهي مبادرة ستتبع إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون بشأن موريس أودين في سبتمبر 2018، كما حمل التقرير اقتراحا بإصدار «دليل المفقودين» من البلدين للسماح بتحديد موقع قبور الجزائريين والفرنسيين المختفين في حرب الاستقلال، بالإضافة إلى مواصلة العمل المشترك الخاص بمواقع التجارب النووية الفرنسية في الجزائر بين عامي 1960 و1966 ونتائجها وزرع الألغام على الحدود ومواصلة نشاط اللجنة المشتركة للخبراء العلميين الجزائريين والفرنسيين المكلفة بدراسة الرفات البشري لمقاتلين جزائريين من القرن التاسع عشرة محفوظة في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي، كما حاول تقرير ستورا «إنصاف الحركى» من خلال دعوته للتفاوض مع الجزائر حول تنقل الحركى وعائلاتهم بين البلدين وكذا تنصيب لجنة من مؤرخين حول عمليات اغتيال فرنسيين بعد الاستقلال، بالإضافة إلى ترميم مقابر الأوروبيين واليهود بالجزائر، وتسمية شوارع باسم شخصيات من وراء البحار، كما يحاول التقرير «إخفاء» بعض الوثائق، حيث دعا لجرد المحفوظات والأرشيف الذي أخذته فرنسا أو تركته في الجزائر، بينما ستستعيد الجزائر بعض المحفوظات الأصلية فقط، وكذا الاكتفاء بمنح تأشيرات لعشرة باحثين «فقط» مسجلين في أطروحة عن تاريخ الجزائر والحقبة الاستعمارية، على أن يستفيد الطلاب الفرنسيون من تأشيرة دخول متعددة ومن سهولة الوصول إلى الأرشيف الجزائري لنفس الفترة، كما اقترح الطرف الفرنسي إنشاء مجموعة «فرنسية جزائرية» ضمن دار نشر كبيرة، لوضع أسس مشتركة للذاكرة، وإنشاء صندوق لترجمة الأعمال الأدبية والتاريخية من الفرنسية إلى العربية ومن العربية إلى الفرنسية، وقد يدعم هذا الصندوق أيضًا كتابات باللغة البربرية، بالإضافة إلى إعطاء مساحة أكبر لتاريخ فرنسا في الجزائر في المناهج الدراسية وإنشاء مكتب شباب فرنسي جزائري، للترويج لأعمال المبدعين الشباب وإعادة تنشيط مشروع متحف تاريخ فرنسا والجزائر، وكذا تنظيم مؤتمر دولي هذا العام مخصص لفرانسوا مورياك وريموند آرون وجان بول سارتر وأندريه ماندوز وبول ريكور، وتنظيم معرض بالمتحف الوطني لتاريخ الهجرة حول الاستقلال الإفريقي هذا العام وإنشاء لجنة مؤرخين فرنسية جزائرية مسؤولة عن تاريخ مدفع «بابا مرزوق».
أسامة سبع