حناجر المناصرين تصدح بأغان تهكمية وأهازيج ساخرة
مدرجات الملاعب.. فضاء للتهكّم والسخرية وانتقاد الواقع المعيشي
دفع الواقع المعيشي المتمثل في انهيار القدرة الشرائية والبطالة آلاف الشباب إلى التهكم على الوضع بطريقتهم الخاصة، حيث باتت حناجرهم تصدح بأغان وأهازيج تردد خلال مباريات نواديهم المحلية، فلم يعد التشجيع ودعم الفريق السبب الرئيسي في توجههم إلى الملاعب التي تحولت إلى المكان المفضل لعشرات الشباب للبوح عن مكبوتاتهم ومعاناتهم اليومية.
على الرغم من أن المتابع للشأن السياسي والحراك الخاص به يلحظ جليا بأن المواطن لم يعد يولي له اهتماما كبيرا نظرا لفقدان الثقة بين الطرفان، غير أن حالة اللا اهتمام دفعت بالبعض إلى التهكم بطرقتهم الخاصة، حيث استطاعت القضايا السياسية أن تحجز لها مقعدا في الملاعب الجزائرية وتتصدر اهتمامات المواطنين، حيث أضحت إجراءات التقشف وشد الحزام، البطالة من العبارات المدوية والتي تصدح بها حناجر الشباب، مرددة أغاني مستوحاة من الواقع المعيش الذي يئن تحته ملايين الجزائريين. رغم أن القوانين المحلية والدولية تدين بشدة التداخل بين كلا التياري السياسي والرياضي، حيث أن الفيفا وهي أعلى هيئة تعنى بالشأن الكروي في العالم تقوم بتجميد نشاط الاتحادات الكروية المنضوية تحت لوائها في حال تم الكشف عن استغلال سياسي لها.
أفيون الشعوب
ارتبطت الممارسة الرياضية عموما بكونها خط موازي لنشر القيم الروحية والإنسانية بين الشعوب ونبذ مظاهر العنصرية والتطرف، حيث كانت تحيد عن أي مذهب سياسي أو نظام اجتماعي أو اقتصادي، عبر تنظيم منافسات شريفة واعية مفعمة بالحب المتبادل والعطاء بين مختلف الشعوب، على غرار كأس العالم والألعاب الأولمبية أين تلتقي الشعوب من مختلف أنحاء العالم لترسم أجمل لوحات التضامن والوحدة فيما بينها بهدف الوصول إلى أهداف وغايات نبيلة لبلوغ القمة في كل مجالات الرياضة، وعلى رأسها كرة القدم، اللعبة الشعبية الأولى على قائمة الرياضات ، التي تحولت لظاهرة اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية، قادرة على أن تعبئ حولها المشاعر الوطنية والقومية وحشد المحبين بأعداد خيالية يجتمع لمتابعة نشاط اجتماعي من أكبر وأهم ما أوجدته البشرية وأكثرها جذبا واستقطابا لاهتمام جميع شرائح المجتمع كإحدى الوسائل الاجتماعية المقبولة لتفريغ المكبوتات، في زمن اتسع فيه الاستهلاك الإعلامي للنشاط الرياضي ، وأفرز لدى بعضهم السلوك الأناني وجعل رغباتهم السياسية وأطماعهم تحول الملاعب والقاعات الرياضية إلى فضاءات لتفريغ الاحتقان السياسي بدل تنفيس المكبوتات النفسية، وتستغل أنشطتها لغايات غير رياضية البتة، مثل التلميع السياسي والإلهاء والتجييش وما شابه ذلك من الغايات البعيدة كليا عن الرياضة وأهدافها.
أهازيج مع الحدث
تحولت الساحرة المستديرة من متنفس للشعوب للتخلص من الضغوط النفسية والمتاعب الاجتماعية اليومية إلى وسيط لتمرير رسائل المواطن البسيط للمسؤولين من خلال مواكبة المتغيرات والمستجدات في الساحة السياسية، حيث يبدع المناصرون بأهازيجهم في تأليف أغاني تكشف عن الواقع المأساوي الذي يعيشونه، حيث بدت أغاني الملاعب خلال المقابلات في السنوات الأخيرة بدوري المحترفين مواكبة لما يحدث من تقهقر أسعار النفط في الأسواق العالمية، وما تبعه من انهيار العملة الوطنية، كما عادت بقوة أغاني التسعينات التي تصف الأزمة وتسريح العمال، حيث قام مناصرو أحد الفرق الرياضية وخلال مباراتهم بترديد أهازيج يتهكمون فيها على غلاء المعيشة وارتفاع أسعار الخضر والفواكه فلم تعد البطاطا في متناول الجميع، ولم يكتفوا بهذا بل سخروا من انهيار العملة الوطنية مقابل أسعار العملات الأخرى حيث راحوا يرددون « المعيشة غلات والدينار ما كان والوا». وفي إحدى المباريات دوت حناجر الأنصار منددة بالتأخر في توزيع سكنات «عدل» حيث شبهوا انتظارهم الطويل تحقيق فريقهم لانتصارات بمساكن هذه الصيغة التي لم تنجز لفائدة مكتتبيها رغم مرور أزيد من عقد.ويؤكد مختصون اجتماعيون على أن فضاءات التجمهر -ومن بينها الملاعب كما يعلمه الجميع-يغيب فيها المستوى الثقافي والعلمي، لذلك يقوم المناصرون بالتعبير عن أفكارهم بسلوكات وألفاظ ما كان ليقوم بها بمفرده، حيث أن هذه المفردات في الغالب مشحونة بالمعاني الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.