علمتني الأيام:
أن الزواج ليس هروبا
إن الزواج مسؤولية معنوية أكثر منها مادية، لكن الكثير من أفراد مجتمعنا يعتقدونه حلا ونهاية لمشاكلهم.
فمسؤول قال لموظفة عنده لم تؤدي عملها على أكمل وجه، أنت لن تنفعي للعمل وإنما تنفعي للزواج «وروحي تجيبي ولاد تربيهم» مثله مثل الأم التي رأت أن إبنها ضائعا ولملذات الحياة طائعا دون عمل ومسؤولية، يقيم الدنيا ولايقعدها بمشاكله المفتعلة، ترى أن الحل في تزويجه حتى يعقل لتحمله فجأة مسؤولية عائلة ولم يكن قبلها متحملا حتى لمسؤولية نفسه، وكأن الزواج سلة مهملات المجتمع، فمن لم يكن كفء للعمل أو الدراسة أو أي دور إجتماعي، تقذف به الأمواج لبناء أسرة قد تكون عرجاء، أو وكرا هشا يندثر بمجرد دغدغة من عواصف الحياة، لإنتاج من هم عالة على المجتمع.
وأذكر هنا سؤال أحد الأساتذة لطلبته في الجامعة، متى تبدأ التربية؟
فأجابوا : في السنوات الأولى من الحياة.
قال متى ؟
فأجابو ا: في السنة الأولى من عمر الرضيع.
قال :لا، قبل ذلك.
فأجابوا :عندما يكون في بطن أمه.
قال:لا قبل ذلك. فضحك جميع الطلبة، ظنا منهم أن الأستاذ يمازحهم، متسائلين كيف للتربية أن تبدأ قبل أن يولد الفرد.
فأجابهم بأنها تبدأ قبل الزواج باختيار الشريك القادر والواعي والمؤهل، المدبر، للآمر والناهي ،القائد سواء كان رجلا أو امرأة .فمتى أخذنا احتياطاتنا تمتعنا بحياتنا.
فأين التحضير للزواج في مجتمعنا، وإن الأغلبية الساحقة في مجتمعنا تتحدث عن الزواج في حدوده الضيقة كالعرس وجهاز العروس والحلويات بل أضيق من ذلك باعتباره مجال جنسي محض وإنجاب وهذا بالضبط ماتستطيع فعله الكائنات الحية الأخرى كالنباتات والحيوانات، فلما نجعله في حدود الذكر والأنثى ونختزل منه الإنسانية والتربية والمسؤولية ؟
وهناك من الفتيات من تختار الزواج هروبا من الضغط الأسري، وتظن أنها ستعيش الراحة الأبدية في العش الزوجية فتضاعف وتسارع خطواتها سيرا إلى الأمام، ولاتفكر إطلاقا في المسؤولية إلى أن توضع أمام الأمر الواقع، من مسؤوليات زوجية وأسرية وخاصة الأولاد، التي لم تكن مهيئة لها ولم تضعها في الحسبان، عندها تبدأ بالتراجع إلى الوراء، والتراجع هنا هروب، فمن هرب من الضغط الأسري أو الأبوي أو الإجتماعي ونظرة الأخرين إليه، سيهرب من ضغط المسؤولية والحياة الزوجية،لأن من يهرب سيصبح متخصصا في التراجع أمام الصعاب، ويكلف أفراد أسرته خاصة الأطفال ثمن عدم مسؤوليته، فينتج عندها المهمشون البائسون اليائسون من الحياة، الذين يتحولون بدورهم إلى ضحايا.
إن أحسن تحضير للزواج هو أن تكون مسؤولا وتتأكد أنك قادر مؤهل، ولست متكاسلا متَكلا قبل أن تخوض الغمار، حضَر نفسك لنفسك ثم فكر في طرفك الآخر، لأن الأهم ليس الإرتباط في حد ذاته بل مع من ترتبط.