الحلقة 09 _الزابات ابرهاردت في الساحل التونسي
وراء سقف دائري تجمع لقرية صغيرة للصيادين وقبالة جزيرة ( كريتين ) حيث منارة تشع في الأفق بلهيب أحمر لمدينة المنستير والذي في دورانه من بعيد باتجاه سوسة و بالكاد رؤيته وفقط أثناء هدوء البحر ... قرية الصيادة هي ضائعة بين أشجار الزيتون و المفصولة بتحوطات الصبار التي يصعب اختراقها باستثناء أبناء أوى وحراس البدو؟
وبنات قرية صيادة على كل لسان وعلى طول الساحل نظير ما يتمتعن به من جمال ساحر وشباب موكنين على الدوام يتوددون لجيرانهم بالكلام الجميل بقولهم (الذي يتنفس مرة واحدة هواء ملح البحر الصيادة وينتعش بعطر بناتها المسكر ينسى مسقط رأسه) وموكنين تبعد كثيرا عن البحر في واد خصب وموكنين مدينة تجارية صغيرة وهائمة في غنجها وعلى الرغم من أن ساكنتها كلهم من العرب ... وهنا أيضا أجد أماكن مطلية بالجير الأبيض وجدران متداعية وصخور رملية وصمت ثقيل الذي يذكرني بوطني الصحراوي الغالي ... وفي المدن الداخلية التونسية ناس البوادي لا يرتدون البرانيس الفخمة مثل التي يرتديها الجزائريون وإنما يرتدون قمصان خشنة ...فقراء وبدو هذه المدن الداخلية يرتدون (السفيري) ـ الأبيض. أو الأسود اللون وهو عبارة عن قطعة من الصوف الطويلة التي تلقى عادة على عمامة صغيرة وترتيب طياتها يعطي في ضوء القمر في الشوارع المعزولة والساحات العامة جانب جمالي لشبح ملفوف ـ مثل كفن ـ لقبر ... النساء البدويات أو الحضريات الفقيرات هنا وكما في أماكن أخرى يرتدين اللحاف نفسه أزرق داكن اللون أو أحمر وعلى رأسهن مبنى من الفولارات معقد ومثقل بشعر أسود وضفائر من الصوف ومجوهرات ومناديل حريرية وحزام فضفاض معقود عند الوركين. قضيت ساعات ذات لذة شرقية في موكنين ... ساعات حالمة في ديكور قديم في رحاب النغم وآلاته والطرب القديم ... وكل قرى الساحل التونسي مدهشة بجمالها ومتلألئة ببياضها ومخملية بساتينها لأشجار الزيتون فكل شيء فيها له اشتهاهاته بما في ذلك اسمائها الجرسية (واردنين يعني الوردتان). و(سويسة يعني سوسة الصغيرة) و(منزل بئر الطيب يعني منزل البئر العذب) واد سايا، جمال، سيدي الهاني، الجم، بني حسان ... وجمال هذه البلاد فريد من نوعه وهذا على الرغم من وعورة أرضها الأفريقية فكل شيء فيها ناعم ومشرق وبما في ذلك أفاقها الحزين فهي لا بالمهددة ولا المعتذرة في كل ربوعها ومنطقة الساحل هواؤها منعش ونقي وسماؤها صافية....
وما بعد موكنين تترائ أراضي لتتضح من معالم البرية التي كلها غرابة حيث غابات الزيتون وأحيانا تقطعها الهضاب العليا المقفرة إنه موطن الأميرية. حيث المزارعين أو الرعاة وكلهم خشية من اللصوص.
كتبها جمال غلاب