الحلقة 18 _ ابرهاردت: الاقلاع من مرسيليا باتجاه الجزائر1900
لم أستطع أن اصدق بعد كل ما سلف ذكره؟ هل كل هذا من أجل الاقلاع باتجاه الجنوب الجزائري؟ كثير من الظروف غير المتوقعة كانت حاضرة للتأخير، ومرات عديدة تساءلت فعلا وبفارغ من الصبر اذا كان هذا المشروع الذي صار عندي غاليا هو مجرد أثغاث احلام و يستحيل تجسيده ـ الولوج الى عالم الصوفية ـ ؟إ وقبل فترة ليست بطويلة أيضا سألت نفسي هذا السؤال بجزع، والآن صار كل شيء جاهزا ولا شيء يستطيع كبحي
... وهذا الحزن الرهيب يغزو قلبي وينزل رويدا رويدا وببطء مثل نزول الشفق الفاتر لفصل الصيف...
ومع ذلك كنت مجرد مار غريب في هذه المدينة وفي هذا المنزل لأخي حيث من عدة شهر لا اقوم الا بظهور مفاجئ وخاطف مندفعة فورا وبمحض الصدف هائمة على جهي؟
نومي تعكر هذه الليلة من رؤى غريبة وغامضة ومهددة وبعد الإستيقاظ من نومي لم يحدث أي شيء ونهضت بمزاج منفعل وهي خاصية أختص بها في اليوم الكبير للاقلاع.شيء غريب يعتريني في الشهور الأخيرة من حياتي في أروبا، شيء شديد العذاب و القتامة يبدو متراجعا بالنسبة لي في موجة بعيدة والصور الظلية المتحركة من هناك تقترب. أقلعت من مرفأ ـ لوجان بريار ـ وفي تفكيري سفري الذي قمت به السنة الفارطة على هذا المركب، لكن في ظروف مختلفة من قلق والكفاح في الظلام المطلق موسوم بتبعية السلام المحزن وخمول مشحون بألأحاسيس المؤلمة ؟إوعلى رصيف الميناء , وسط ضوضاء الزحمة . خيال واحد لفت انتباهي في ملابسه السوداء انه أخي الذي اختار الحياة الهادئة والمستقرة والذي رافقني مرة أخرى ليبقى هو و أسافر انا الى المجهول ؟إ. فجأة فصلنا سياج الميناء وبقينا نتبادل النظرات ونفكر في غرابة مصيرين؟إ .. وأيضا في تأسف من عبثية رغبات البشر، ومن الأحلام الزرقاء الجميلة و ما قمنا به على أراضي المنافي. حيث فتحنا أعيننا على واقع مرير من أجل الوجود ؟ وبرنة أخيرة من الجرس.. صفارة الانذار تمزق كل صمت ويبدأ الرصيف في النأي عنا شيئا فشيئا. وبعدها تيار يفعل فعلته في الماء العكر الذي يطغى عليه اللون الأخضر فننسحب بسرعة..وقريبا بين رصيف الاقلاع سيختفي خيال أخي العزيز وسيصير نقطة سوداء كلما نأينا عن الرصيف؟ وعندما انحرف المركب عن رصيف الميناء بإتجاه رواق الجنوب.. وها أنا مرة أخرة وحيدة الى أفريقيا متكئة على السياج الخلفي للمر. . أتأمل في المناظر السحرية لمرسيليا .في الواجهة، ميناء ـ جوليات ـ الذي يبدو في سبات بصوره الظلية القوية الألوان: الحمراء والسوداء وأرصفته العامرة بالطوفات والقوارب التي لا تعد ولا تحصى وسط سفن الشركات.وأبراج المنازل العالية المتراصة على حافة رصيف الميناء بألوانها الحمراء والسوداء كأنها ثكنات توحي بالكأبة. ثم المدينة والمدرج الذي يشق وسط طريق الميناء القديم ـ كنيبيار ـفي البدء بدت لي مرسيليا عبارة عن سلسلة دقيقة رمادية الظل الملون، رمادية السماء المدخنة، رمادية الجبال البعيدة ذات الزرقة والورود البيضاء وأسطح المنازل الصفراء، رمادية الصخور بلون الطباشير الفاتج لتلة عصية تعلوها سيدتنا ـ دو لجارد ـ
كتبها جمال غلاب